فصل: ما قاله علي رضوان الله عليه من الشعر في قتله عمرو بن عبد ود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 غزوة دومة الجندل في شهر ربيع الأول سنة خمس

 موعدها

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولى تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دُومة الجندل ‏.‏

 استعمال ابن عرفطة على المدينة

قال ابن هشام ‏:‏ في شهر ربيع الأول ، واستعمل على المدينة سِباع بن عرفطة الغفاري ‏.‏

 رجوع رسول الله

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا ، فأقام بالمدينة بقية سنته ‏.‏ ‏"‏

غزوة الخندق في شوال سنة خمس

 تاريخها

حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏:‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏:‏ ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس ‏.‏

 اليهود تحزب الأحزاب

فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير بن عروة بن الزبير ،ومن لا أتهم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، ومحمد بن كعب القرظي ، والزُّهري ، وعاصم بن عمر بن قَتادة ، و عبدالله بن أبي بكر ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق ، وبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض ، قالوا ‏:‏ إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود ، منهم ‏:‏ سلاّم ابن أبي الحقيق النَّضري ، وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحُقيق النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النَّضير ، ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا ‏:‏ إنا سنكون معكم عليه ، حتى نستأصله ؛ فقالت لهم قريش ‏:‏ يا معشر يهود ، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصحبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، أفديننا خير أم دينه ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منه ‏.‏ فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم ‏:‏ ‏"‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ، ومن يلعن الله فإن تجد له نصيرا ‏"‏ إلى قوله تعالى ‏"‏ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ‏"‏ ‏:‏ أي النبوة ، ‏"‏ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ‏.‏ فمنهم من آمن به ، ومنهم من صُدَّ عنه ، وكفى بجهنم سعيرا ‏"

 تحريض اليهود لغطفان

قال ‏:‏ فلما قالوا ذلك لقريش ، سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه ، من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له ، ثم خرج أولئك النفر من يهود ، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك ، فاجتمعوا معهم فيه ‏.‏

 خروج الأحزاب من المشركين

قال ابن إسحاق ‏:‏ فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة ، والحارث بن عوف بن حارثة المري في بني مرة ، ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبدالله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع ،

 حفر الخندق و تخاذل المنافقين و جدّ المؤمنين

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما أجمعوا له من الأمر ، ضرب الخندق على المدينة ، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيباً للمسلمين في الأجر ، وعمل معه المسلمون فيه ، فدأب فيه ، ودأبوا ، وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين ، وجعلوا يورُّون بالضعيف من العمل ، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن ، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له ، فإذ قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له ‏.‏

 ما نزل من القرآن في حق العاملين في الخندق مؤمنهم ومنافقهم

فأنزل الله تعالى في أولئك من المؤمنين ‏"‏ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم ‏"‏ فنزلت هذه الآية فيمن كان من المسلمين من أهل الحسبة والرغبة في الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ثم قال تعالى ‏:‏ يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون بغير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كذعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ‏"

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏:‏ اللواذ ‏:‏ الاستتار بالشيء عند الهرب ، قال حسَّان بن ثابت ‏:‏

وقريش تفر منا لواذا * أن يقيموا وخف منها الحلوم ‏.‏

وهذا البيت في قصيدة له قد ذكرتها في أشعار يوم أحد ‏"‏ ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ‏"‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ من صدق أو كذب ‏"‏ ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم ‏"‏

 المسلمون يرتجزون وهم يعملون في حفر الخندق

قال ابن إسحاق ‏:‏ وعمل المسلمون فيه حتى أحكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا ، فقالوا ‏:‏

سماه من بعد جعيل عمرا * وكان للبائس يوما ظهرا ‏.‏

فإذا مروا ‏"‏بعمرو‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ عمراً ، وإذا مروا ‏"‏بظهر‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ظهرا ‏.‏

 معجزات ظهرت في حفر الخندق

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان في حفر الخندق أحاديث بلغتني ، فيها من الله تعالى عبرة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحقيق نبوّته ، عاين ذلك المسلمون ‏.‏

 ظهور معجزة الكدية والتغلب عليها

فكان مما بلغني أن جابر بن عبدالله كان يحُدث ‏:‏ أنه اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية ، فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا بإناء من ماء ، فتفل فيه ؛ ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية ؛ فيقول من حضرها ‏:‏ فوالذي بعثه بالحق نبيا ، لانهالت حتى عادت كالكثيب ، لا تردّ فأساً ولا مِسحاة ‏.‏

 ما تحقق من البركة في تمر ابنة بشير

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن مينا ، أنه حُدِّث ‏:‏ أن ابنة لبشير بن سعد ، أخت النعمان بن بشير ، قالت ‏:‏ دعتني أمي عمرة بنت رواحة ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ، ثم قالت ‏:‏ أي بنية ، اذهبي إلى أبيك وخالك عبدالله بن رواحة بغدائهما ، قالت ‏:‏ فأخذتها ، فانطلقت بها ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ؛ فقال ‏:‏ تعالي يا بنية ، ما هذا معك ‏؟‏ قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، هذا تمر ، بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد ، وخالي عبدالله بن رواحة يتغديانه ؛ قال ‏:‏ هاتيه ؛ قالت ‏:‏ فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما ملأتهما ، ثم أمر بثوب فبسط له ، ثم دحا بالتمر عليه ، فتبدد فوق الثوب ، ثم قال لإنسان عنده ‏:‏ اصرخ في أهل الخندق ‏:‏ أن هَلُم إلى الغداء ‏.‏ فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه ، وجعل يزيد ، حتى صدر أهل الخندق عنه ، وإنه ليسقط من أطراف الثوب ‏.‏

 ما تحقق من البركة في دعوة جابر للطعام

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن مينا ، عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق ، فكانت عندي شويهة ، غير جِدِّ سمينة ‏.‏ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ فأمرت امرأتي ، فطحنت لنا شيئا من شعير ، فصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة ، فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قال ‏:‏ فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف عن الخندق - قال ‏:‏ وكنا نعمل فيه نهارنا ، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا - قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد صنعت لك شويهة كانت عندنا ، وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير ، فأحبُّ أن تنصرف معي إلى منـزلي ، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده ‏.‏

قال ‏:‏ فلما أن قلت له ذلك ؛ قال ‏:‏ نعم ، ثم أمر صارخا فصرخ ‏:‏ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ‏!‏ قال ‏:‏ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل الناس معه ؛ قال ‏:‏ فجلس وأخرجناها إليه ‏.‏ قال ‏:‏ فبرك وسمى الله ، ثم أكل ، وتواردها الناس ، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس ، حتى صدر أهل الخندق عنها ‏.‏

 بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتوح

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحُدثت عن سلمان الفارسي ، أنه قال ‏:‏ ضربت في ناحية من الخندق ، فغَلُظت علي صخرة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني ؛ فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي ، نزل فأخذ المعول من يدي ، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ؛ قال ‏:‏ ثم ضرب به ضربة أخرى ، فلمعت تحته برقة أخرى ؛ قال ‏:‏ ثم ضرب به الثالث ، فلمعت تحته برقة أخرى ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول الله ‏!‏ ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب ‏؟‏ قال ‏:‏ أو قد رأيت ذلك يا سلمان ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ؛ قال ‏:‏ أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن ؛ وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب ؛ وأما الثالثة فإن الله فتح على بها المشرق ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول ، حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما بعده ‏:‏ افتتحوا ما بدا لكم ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك ‏.‏

 وصول المشركين المدينة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة ، بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ، ومن تبعهم من بنى كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نقمي ، إلى جانب أحد ‏.‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع ، في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ‏.‏

 استعمال ابن أم مكتوم على المدينة

قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآطام ‏.‏

 حيي بن أخطب يحرض كعب بن أسد على نقض العهد

قال ‏:‏ وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري ، حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ، وعاقده على ذلك وعاهده ؛ فلما سمع كعب يحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه ، فاستأذن عليه ، فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي ‏:‏ ويحك يا كعب ‏!‏ افتح لي ؛ قال ‏:‏ ويحك يا حيي ، إنك امرؤ مشئوم ، وإني قد عاهدت محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ؛ قال ‏:‏ ويحك افتح لي أكلمك ؛ قال ‏:‏ ما أنا بفاعل ؛ قال ‏:‏ والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك أن آكل معك منها ؛ فأحفظ الرجل ، ففتح له ؛ فقال ‏:‏ ويحك يا كعب ؛ جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ؛ وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه ‏.‏ قال ‏:‏ فقال له كعب ‏:‏ جئتني والله بِذُلِّ الدهر ، وبجهام ‏(‏ السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه ‏)‏ قد هراق ماءه ، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ، ويحك يا حيي ‏!‏ فدعني وما أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء ‏.‏ فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب ، حتى سمح له ، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا ‏:‏ لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ‏.‏ فنقض كعب بن أسد عهده ، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

 الرسول عليه الصلاة والسلام يستوثق من نقض كعب ميثاقه

فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة بن دليم ، أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبدالله بن رواحة ، أخو بني الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف ؛ فقال ‏:‏ انطلقوا حتى تنظروا ، أحَقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ‏؟‏ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تَفُتُّوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس ‏.‏ قال ‏:‏ فخرجوا حتى أتوهم ، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، فيما نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا ‏:‏ من رسول الله ‏؟‏ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد ‏.‏ فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكان رجلا فيه حده ؛ فقال له سعد بن عبادة ‏:‏ دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ‏.‏ ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلموا عليه ، ثم قالوا ‏:‏ عضل والقارة ؛ أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ، خبيب وأصحابه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، أبشروا يا معشر المسلمين ‏.‏

 الخوف يعم المسلمين و ظهور النفاق من المنافقين

قال ‏:‏ وعظم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، حتى ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من بعض المنافقين ، حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف ‏:‏ كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ‏.‏

 لم يكن معتب منافقا

قال ابن هشام ‏:‏ وأخبرني من أثق به من أهل العلم ‏:‏ أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين ، واحتج بأنه كان من أهل بدر ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحتى قال أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث ‏:‏ يا رسول الله ، إن بيوتنا عورة من العدو ، وذلك عن ملأ من رجال قومه ، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا ، فإنها خارج من المدينة ‏.‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة ، قريبا من شهر ، لم تكن بينهم حرب إلا الرَّميِّا بالنبل والحصار ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال الرَّميْا

 محاولة الرسول عقد الصلح مع غطفان ثم عدوله

فلما اشتد على الناس البلاء ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، ومن لا أتهم ، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح ، إلا المراوضة في ذلك ‏.‏ فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ؛ فقالا له ‏:‏ يا رسول الله ، أمرا تحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به ، لا بد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ‏؟‏ قال ‏:‏ بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ؛ فقال له سعد بن معاذ ‏:‏ يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبدالله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى ‏(‏ ضيافة ‏)‏ أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ‏!‏ والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فأنت وذاك ‏.‏ فتناول سعد بن معاذ الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال ‏:‏ ليجهدوا علينا ‏.‏

 من حاول عبور الخندق من المشركين

قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، وعدوهم محاصروهم ، ولم يكن بينهم قتال ، إلا أن فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس ، أخو بني عامر بن لؤي ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال عمرو بن عبد بن أبي قيس -

قال ابن إسحاق ‏:‏ وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ، وضرار بن الخطاب الشاعر ابن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، تلبسوا للقتال ، ثم خرجوا على خيلهم ، حتى مروا بمنازل بني كنانة ، فقالوا ‏:‏ تهيئوا يا بني كنانة للحرب ، فستعلمون من الفرسان اليوم ‏.‏ ثم أقبلوا تُعْنِق بهم خيلهم ، حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا ‏:‏ والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ‏.‏

 سلمان يشير بحفر الخندق

قال ابن هشام ‏:‏ يقال ‏:‏ إن سلمان الفارسي أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وحدثني بعض أهل العلم ‏:‏ أن المهاجرين يوم الخندق قالوا ‏:‏ سلمان منا ؛ وقالت الأنصار ‏:‏ سلمان منا ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ سلمان منا أهل البيت ‏.‏

 علي يقتل عمرو بن عبد ود

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين ، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تُعْنِق نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ، فلم يشهد يوم أحد ؛ فلما كان يوم الخندق خرج مُعْلِما ليرى مكانه ‏.‏ فلما وقف هو وخيله ، قال ‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فبرز له علي بن أبي طالب ، فقال له ‏:‏ يا عمرو ، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خَلَّتين إلا أخذتها منه ، قال له ‏:‏ أجل ؛ قال له علي ‏:‏ فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ؛ قال ‏:‏ لا حاجة لي بذلك ؛ قال ‏:‏ فإني أدعوك إلى النـزال ؛ فقال له ‏:‏ لم يابن أخي ‏؟‏ فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال له علي ‏:‏ لكني والله أحب أن أقتلك ؛ فحمى عمرو عند ذلك ، فاقتحم عن فرسه ، فعقره ، وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتنازلا وتجاولا ، فقتله علي رضي الله عنه ‏.‏ وخرجت خيلهم منهزمة ، حتى اقتحمت من الخندق هاربة ‏.‏

 ما قاله علي رضوان الله عليه من الشعر في قتله عمرو بن عبد ود

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك ‏:‏

نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت ربّ محمد بصوابي

فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطَّر بزَّني أثوابي

لا تحسبن الله خاذلَ دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ واكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي بن أبي طالب ‏.‏